[center]احتفظت الرسائل بلغة الحب، والإنترنيت أفسد مشاعرها
الحب ظاهرة إنسانية متأصلة في النفس البشرية وقد اختلف البشر على أنواعهم وثقافاتهم حول نظرتهم للحب وطرق تعاملهم مع الحب والمحبين، لكن طرق التعامل والتعريف تخضع أيضا للتحولات المحيطة بالإنسان، ونوعية علاقاته، وطرق التعبير عن مشاعره .
وينظر إلى الحب في الوقت الحالي بشكل مغاير، قياسا للعديد من التطورات والتحولات التي مست طبائع الإنسان، ووضعه الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي، فحاليا، أصبح ينظر إلى الحب على خلفية تأثيرات ومواضعات معيش المجتمعات الغربية .
لم يعد صعبا كما كان، ولا مؤرقا وشاقا، ولا محاطا بألف سياج وسياج وقيد، وسواتر
أصبح سهلا، بمكابرات أقل، ولغة أفصح وأوضح، وكلمات غادرت قواميس مشاعر الشعراء، إلى قواميس التعبير اللغوي البسيط والمباشر .
رغم أن التعبير عن مشاعر الحب، مازال محاطا بقدر من الحشمة والاختباء أحيانا وراء الكلمات الموحية، أو التعبير عن الحب باللغة الفرنسية عوض العربية، أو الدارجة
فالمغاربة يفضلون الحديث عن الحب بالفرنسية مثل je t'aime عوض أحبك أو "تنبغيك"
وهذه من الأمور التي مازالت قائمة في علاقات المحبين .
لكن يتم الاستعاضة عن ذلك، بالفعل المباشر، المتمثل في أنواع اللقاء، ووضوحها في الشارع والمقهى أو الجامعة.
وبنوعية الرسائل، فإن كانت مكتوبة، فهي بسيطة ومباشرة، وإن كانت عبر التلفون، فهي أكثر مباشرة .فالتواصل الشفاهي يصبح أكثر جرأة، وعفوية، وبلغة أقل.
وتزيد قلة الكلمات ومباشرتها، عن طريق التواصل بالأنترنيت، حيث تنزل لغة الحب من عليائها، وسموها إلى لغة تعبيرية، أحيانا على حساب المشاعر والأحاسيس .
يقول عبد الله .ح ، شاب جامعي، "إن الفرق بين لغة الحب اليوم، وأيام زمان، تختلف كثيرا، ففي الماضي، كان المحب يجهد نفسه للتعبير أكثر، واختيار، أفضل الكلمات وأعذبها وأجملها، فمشاعر الحب المكتوبة، تكون أقرب كثيرا إلى القلب، وأكثر تعبيرا عن ما يجول فيه، في حين أن الكلام عن الحب في التلفون، يكون ناقصا، لا يتم التعبير عنه كما يجب، إنه غير مكتمل، تنقصه الكثير من الأمور التي يتحفظ عليها الحبيبين، أو يعجز عن التعبير عليها، لدواعي الحشمة.
لكن أسوأ من ذلك اتصال المحبين عبر الأنترنيت، التي أصبحت شائعة في الوقت الحالي، فالتعبير عن الحب، عادة ما يكون بسيطا جدا، ناقصا إلى أبعد الحدود، بلغة مهترئة، ناقصة، ومليئة بالأخطاء التعبيرية والنحوية، وفي نظري فإن تأثير ذلك يكون على حساب المشاعر الصادقة. وربما يكون الحب، سريعا، سرعة التعبير عنه ومهلهلا، تهلهل اللغة التي عبرت عنه".
أما الانسة سعاد -إ، فاعتبرت أن ما يظنه الناس في الوقت الحالي، حبا، لا يعدو أن يكون ضربا من العبث، فالحب حسب رأيها، لم يعد ينبع من القلب، بل من الفوائد، والمصالح والنزوات، فالرجل حسب رأيها، كان إذا أحب، ضحى من أجل حبيبته بالغالي والنفيس، وإن لم يكن لديه ما يغذقه عليها، فإنه يكون صادقا، فإن، أحب بصدق، عبر عن ذلك، ليس بالكلام، بل بالتعامل الصادق، أما اليوم، إذا أحب الرجل المرأة، فإنه يقولها بلسانه، وعينه على جيبها، وإذا وصل الأمر إلى مرحلة الزواج، وبناء المؤسسة الزوجية، تنتفي كلمة الحب حتى من اللسان"، وتصبح المرأة تضحي بالغالي والنفيس، كي لا تنهار أسرتها .
في حين قالت عائشة .ر، "لا أومن بكلمات الحب على التلفون، أو الأنترنيت، أو حتى المكتوبة على الورق، فالوسائل الحديثة، أفسدت كل شيء، وهيأت للمحبين ظروف الكذب على بعضهم، إنهم يقولون ويكتبون أمورا لا يؤمنون بها، وغير مسؤولين عنها، وفي اعتقادي، فإن الحب الحقيقي، هو الذي ينشأ على المباشرة والصدق وحسن التعامل، فأنا لا أريد من الرجل أن يقول لي، إنه يحبني، لكن أريد منه أن يترجم ذلك إلى تعامل صادق، أن يتزوجني، ويؤكد لي بالملموس أنه يحترمني ويعاملني معاملة محب".
أما الشاب عبد القادر .ك، فيقول "إنه يعرف صديقا له تزوج عبر الأنترنيت وهو في سنته الثانية من الزواج، ولا يعتبر أن ذلك كان خاطئا، فالأنترنيت، يقول عبد القادر، إنجاز تكنولوجي كبير، قرب كثيرا من الناس، والتلفون لعب نفس الدور، وهما معا، لم يلغيا، علاقات المحبين عبر الرسائل المكتوبة، إن أي وسيلة لا تلغي سابقتها، لكن يبقى للحب في نظره قيمته الأولى والأصلية، أن يكون صادقا، وشجاعا، وغير مناور ".
وفي السياق نفسه أكد عبد اللطيف، ش، أن كل مشاكل الحب التي يعيشها الشباب اليوم، كانت في جوهرها قائمة دائما، وما تغير، يتعلق أساسا، ليس بنوعية هذه المشاكل، بل بمحيطها الاجتماعي، ولغتها الحاملة.
ففي القديم كان الرجل، يحب من بعيد، ويبث رسائله إلى حبيبته من بعيد، ويمكن أن تتفاهم معه وتقبله، ويمكن أن تعترض عليه وترفضه، ويمكن أيضا أن تكون هناك وساطات أشخاص بينهما، ويمكن أن يبعث بأهله إليها، ويمكن أن يتوجه بنفسه إليها، ويشقى ويتعب وربما "يتبهدل".
وهذا ينطبق أيضا على شباب اليوم، مع إضافة التعقيدات المجتمعية الحالية، فالارتباط بالتلفون، لم يغير كثيرا من صدقية المشاعر، والتواصل بالأنترنيت ليس كاذبا، أو يعجز عن تحقيق حب حقيقي، بين قلبين صادقين.
إذ أن الظروف والأحوال تتغير، ويبقى جوهر الإنسان كما هو، قد يتوفر على قلب صادق أو يكون مناورا أو كذابا .