تعرف أنت ذلك الشعور عندما تصبح الدنيا ضيقة بحجم ثقب الإبرة، فتكون محتاجا لشخص محدد بشدة وبعنف.. محتاجا لأن تفضفض له أو تنقل له مشاعرك أو حتى لمجرد أن تسمع صوته فتشعر أنه لايزال هناك أحد بجوارك يحميك ويسندك.. وتطمئن إلى أنك لست وحدك في هذا الكون الواسع الذي يضيق في أحيان كثيرة على المرء كآلة مجهزة لضغط المعادن.
عارف الشعور ده؟
طيب تعرف بقى الشعور لما تمسك الموبايل بتاعك وتتصل بهذا الشخص فتسمع على الطرف الآخر هذه الرسالة الآلية الجامدة التي لا يخفف من أثرها الصادم كون أن من يقولها امرأة صاحبة صوت عذب: "الرقم الذي اتصلتم به ربما يكون مغلقا أو خارج نطاق الخدمة.. من فضلك حاول الاتصال في وقت لاحق"؟!
صعبة صح؟
بيكون شكلك وقتها زي الطفل اللي بيجري في شوارع ضلمة وسامع صوت الأشباح بتجري وراءه ونفسه يوصل بيتهم بسرعة عشان يترمي في حضن أمه.. ولما يفتح باب البيت وينده على مامته مش بيلاقيها -تقريبا راحت تشتري كرنب من السوق!-.. بيكون شعور قاسي قوي.. مش كده؟
طب ليه تعمل في نفسك كده لما ممكن ماتعملش كده؟
ليه تتصل بالرقم إياه واللي دايما هتلاقيه خارج نطاق الخدمة وفي أفضل الأحوال هتلاقيه "ربما يكون مغلقا"؟!
حاكم الناس زي الموبايلات.. فيهم اللي الشبكة شغالة عنده 24 ساعة في اليوم.. وفيهم اللي بيفصل شحن بعد ساعة ولا اتنين.. وفيهم اللي البطارية بتاعته واقعة ومشحرة "فاضية يعني!".. وده تلاقيه دايما مغلق.. وفيهم اللي antenna "وحدة استقبال الشبكة يعني!" بتاعته بتكون متهالكة وحالتها مزرية جدا فدايما بيكون الإنسان ده "خارج نطاق الخدمة"!
طب تخيل إنك دون عن الناس كلها اللي شغالة وشبكتها فل الفل اخترت واحد من بتوع "حاول في وقت لاحق" حتى يكون حبيبك.. يعني خطيبك.. يعني زواج.. يعني رفيق حتى نهاية العمر.. يبقى الحل إيه؟!
في السطور القادمة محاولة للتعرف على الشخصيات التي "خارج نطاق الخدمة".. اعرفها من بدري.. وحصن قلبك منها بدري.. ولما ييجي "كيوبيد" يرمي سهمه عشان يرشق في قلبك وقلبه خد لك ساتر.. وابعد.. مش ندالة هي.. ولا جبن.. بس فيه ناس كده مهما حاولت تغير فيها مافيش فايدة.. والحب زيه زي كل المشاعر الإنسانية الحلوة قائم على لعبة "تبادلني".. رايح جاي.. آلو من هنا وآلو من هناك..
بعد كل هذه الثرثرة والمقدمة الطويلة تريد معرفة الطرق التي يمكن أن تعرف من خلالها ما إذا كان من تحبه أو تنوي أن تحبه خارج نطاق الخدمة.. عد معانا..
1- لا يستطيع أن يعبر عن مشاعره
هل حدث ذات يوم ورأيت طفلا بدون مشاعر؟ يعني أول ما جاء لهذه الدنيا لم يبكِ أو يصرخ؟ نازل في صمت كده وكأنهم كانوا عاملين الصوت بتاعه mute زي ريموت التليفزيون!.. عندما يجوع لا يصرخ طالبا الطعام، وعندما تؤنبه أمه وتضربه برفق مش بيرقع بالصوت ولا أجدع "ندابة" جاية من صعيد مصر.. وإنما ينظر لوالدته في جمود وتبلد.. بل حتى عندما يزغزغه أبوه لا بيضحك ولا يقهقه وإنما يظل على طبيعته الثلجية هذه.
طبعا ماحصلش ولا شفت كده ولا هتشوف كده.. لأننا جميعا عندما نأتي إلى الحياة فإننا نولد بمشاعر السعادة والحزن والإحباط والحماس والحب والخوف وكل هذه العواطف والمشاعر الأولية وغيرها.. وعندما نكبر قد يطغى شيء على شيء آخر وقد تتفوق مشاعر الحب على الكره والخوف على الشجاعة أو العكس، لكن يبقى في كل الأحوال أننا جميعا نظل قادرين على التعبير عن هذه المشاعر الأولية.. كيف يكون الحال إذن لو وقعت في حب شخص لا يستطيع أن يعبر عن هذه المشاعر؟
لا يستطيع أن يعبر عن حبه لك أو حتى خوفه منك.. لا يستطيع أن ينقل لك فرحته أو حزنه.. كثير من الكتب الأجنبية التي تتحدث عن العلاقات بين الأشخاص تنصح دوما بأن تضع ذيلك في أسنانك وتفلسع فور أن يقع حظك/ قلبك في واحد من هؤلاء الذين يتميزون بالخرس في مشاعرهم.. ربما هذا لأن بعض الغرب -وليس كل الغرب- أميل لأن يكون أكثر عملية في حياته فلا يحب أن يضيع وقته فيما لا يفيد.. وفي هذه نظرة صحيحة على كل الأحوال.. غالبا هذا الأخرس يظل هكذا إلا إذا اكتشف أن ما فيه عيب ومرض يجب أن يعالج منه.. وهذا العلاج يصعب أن تقوم به بمفردك -حتى لو كنت تحبه بصدق- الأمر هنا أكبر من قدراتك فعلا.. ما الحل إذن؟
لا مانع من أن تحاول وأن تجرب أن "تنطقه".. أن تكشف له عن هذا العيب.. لكن لا تفرط في الثقة.. إذا طال الأمر.. عليك بالانسحاب.. ليس عيبا أن تنسحب مادامت المعركة أصبحت خاسرة.
2- لا يتكلم عن مشاعره
الناس فيما يعشقون مذاهب.. وفيما يعبرون به عن مشاعرهم طرق ومذاهب أيضا.. وإذا كان هناك من لا يستطيع "التعبير" عن مشاعره فهناك من لا "يتكلم" أساسا عن مشاعره.
. لاحظ أن الكلام يأتي في مرحلة تالية للتعبير عن المشاعر.. لأن هناك من يفعل الثانية ولا يستطيع أن يفعل الأولى.. هناك من يمكن أن يعبر عن حبه بأفعال لكنه قد لا يستطيع أن ينطق بكلمة "بحبك" وهذا علاجه يسير..
لأنه مثله مثل الطفل الرضيع الذي اتفقنا من قبل أنه يحب ويفرح ويحزن لكنه لا يستطيع أن يحول هذه المشاعر إلى كلام إلا بعد عامين على أفضل تقدير.. أو حتى بعد ثلاث أو أربع سنوات في النهاية سيتكلم وسيقول "أنا بحبك"- طبعا أكيد مش هتصبر على حبيبك أربع سنين!-.. على كل الأحوال فإن الشخص الذي لا يعبر عن مشاعره يكون من الصعب أن يحولها إلى كلمات.. هل يمكن أن تتخيل حياتك مع شخص مثل هذا إذن؟
3- لا يثق في الآخرين
لا يوجد أسخف من أن يقترب منك الشخص الذي تحبه ويقول لك في صوت هامس: "تعال هاقول لك على حاجة.. أنا.. أنا.. تؤ.. لا خلاص بقى مش هاقدر أقول لك! أصلك هتقول لفلان ولعلان.. لأ يا عم مش لاعب!".. فيه أسخف من كده حاجة فعلا؟ طيب لما هو مش عاوز يقول إيه لزمته الـ"شو" ده و"تعال" و"سري للغاية" و"اوعى حد يعرف غيرك"؟
غصب عنك ستصاب بالضيق من هذا السلوك السخيف، وقد ينقلب هذا الضيق إلى حالة عداء -تجاه الطرف الآخر- إذا ما تكرر الأمر أكثر من مرة لأن في تكراره تأكيد أن هذا الشخص "لا يثق فيك".. وإذا حدث وغابت الثقة ما بين المحبين غاب الحب والسلام والطمأنينة والراحة وحل مكانهم العداء وانقلب الأمر من "حالة حب" إلى "حالة حرب"!
ولو إنت لسه فاكر فإن الحب في الأساس مخلوق حتى يقرب ما بين الناس ويخرج أفضل ما فيهم وليس من أجل أن يبعدهم عن بعضهم البعض ويخرج أسوأ ما فيهم.. يبقى ليه تعمل في نفسك كده؟
***
اوعى تكون نابليون!
اوعى تكون نابليون!
لو كنت تدرس في كلية طب أو أي كلية غيرها تقوم على تشخيص الأمراض فإنك حتما لن تكتفي بما قرأته للتو.. ما فعلناه في الأعلى هو أننا عرفنا "أعراض" المرض، لكننا لم نعرف بعد ما "أسباب" هذا المرض.
شوف يا سيدي.. الشخص الذي يكون "خارج نطاق الخدمة" أو "ربما يكون مغلقا" غالبا يكون خارجا للتو -دلوقت يعني!- من تجربة حب فاشلة.. عادي وبتحصل وكتير منا يدخل في تجارب حب يكون مصيرها نفس مصير "نابليون" في معركة "وترلو" -حينما نال هزيمة موجعة أمام بريطانيا عام 1815- لكن ما ليس عاديا أن يبقى أثر هذه الهزيمة عالقا في روحك عصيا على الذوبان غير قابل للنسيان.. بل إنك تدخل على أثرها في سجن -تماما مثل السجن الذي بقي فيه "نابليون" سنوات عمره الأخيرة بعد هزيمته ونفيه إلى جزيرة "سانت هيلانه"- لا تستطيع من خلاله أن تتواصل أو تتفاعل مع الآخرين منغلقا على ذاتك عائشا في تجربة الماضي بكل ما فيها من آلام وعذابات.
الكلام ده لطيف بس برضه ازاي تعرف إن الشخص اللي بتحبه "نابليون"؟ نقصد يعيش في سجن تجربة الحب الفاشلة؟ شوف يا سيدي ممكن يعمل نقطة من الثلاث نقاط التالية أو يمكن كلهم على بعضهم.. عد معانا..
كراهية واحتقار!
في الأساس ستجد أنه دائما ما يتحدث عن تجربته السابقة.. تفاصيلها.. مشاكلها..، وقد تجده غاضبا جدا وبشدة من هذه التجربة بل ويصفها بأشد الألفاظ قبحا "دي كانت......." بقدر هذا الغضب والاحتقار تستطيع أن تحدد مدى قدرته على أن يتخطى هذه التجربة.. كلما زاد غضبه زاد سجنه وكلما زاد ابتعاده عنك.. أصبح ضروريا أن تبعد عنه أيضا لأنه في هذه الحالة -دون مبالغة- سيكون في حاجة لطبيب نفسي.
أنا الجاني!
هناك نوع آخر من الارتباط بتجربة الحب الماضية وهو الشعور الدائم بالذنب وتأنيب الضمير فتجده يتحدث عن العلاقة السابقة باهتمام شديد ولو كان رجلا مثلا ستجدينه يتكلم عن حبيبته الأولى بعاطفة شديدة ومودة واضحة وقد يظهر عليه القلق لو عرف –بطريق الصدفة- أن ضررا ما لحق بها، تدريجيا ستكتشفين أن علاقتك معه يحكمها أستك.. مطاط.. مرة فوق ومرة تحت.. وكل هذا بحسب اطمئنانه هو على حبيبته الأولى.. وستجدينه غير مخلص تماما في مشاعره نحوك لأن نصف قلبه معك ونصفه الآخر مع حبيبته السابقة.. هذا نموذج حقيقي لمن هو "خارج نطاق الخدمة".. في هذه الحالة يمكنك أن تحاولي تغييره لفترة من الوقت لا يجب أن تزيد عن ثلاثة أشهر لأنها فترة كافية جدا لأن ينسى تجربته الأولى لو كان حقيقيا في حبه لك.. إذا لم يحدث تغيير وظل على مقولته الخالدة "وهي عاملة إيه دلوقت!".. يمكنك الانسحاب بنفس راضية جدا.
"كلهم خونة.. حتى إنت يا طماطم"!
ثمة سبب ثالث.. وهو الشعور بكونه ضحية تجربته الأولى.. ستجدينه وهو يتحدث معك ومع أول اختلاف في وجهات النظر يصرخ فجأة قائلا: "إنت زيها.. وهي زيك.. كلكم زي بعض.. كلكم زي بعض.. كلكم خونة حتى إنت يا طماطم!".. وهذا نوع سيظل يلاحقه شعور الضحية كظله يفسد عليه حياته كلها.. لا يثق في أحد.. غير حقيقي أو مخلص في مشاعره.. متوتر ومتخوف وقلق طوال الوقت.. هذا أيضا "ربما يكون مغلقا".. يمكنك أيضا أن تحاولي معه لفترة من الوقت بعدها إذا لم يحدث تغيير لن يكون أمامك سوى أن تغلقي في وجهه السماعة!
***
هكذا بعد أن عرفنا أسباب الحالة وشخصناها وعرفنا كيف يمكن أن نتعامل معها.. بقي أن تقول لنا متى آخر مرة قابلت فيها شخصا "خارج نطاق الخدمة" وكيف تعاملت معه؟!